فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{أَوَلَمْ يَهْد لَهُمْ} الهمزة للإنكار والواو للعطف على منوى يقتضيه المقام ويناسب المعطوف معنى على ما اختاره غير واحد، وفعل الهداية إما من قبيل فلان يعطى في أن المراد إيقاع نفس الفعل بلا ملاحظة المفعول، وإما بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل ضمير عائد إلى ما في الذهن ويفسره قوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا من قَبْلهمْ مّنَ القرون} وكم في محل نصب باهلكنا أي أغفلوا ولم يفعل الهداية لهم أو ولم يبين لهم مآل أمرهم أو طريق الحق كثرة من أهلكنا أو كثرة اهلاك من أهلكنا من القرون الماضية مثل عاد وثمود وقوم لوط، ولا يجوز أن تكون {كَمْ} فاعلا لصدارتها كما نص على ذلك الزجاج حاكيًا له عن البصريين، وقال الفراء: كم في موضع رفع بيهد كأنك قلت: أو لم يهد لهم القرون الهالكة فيتعظوا ولا أن يكون محذوفًا لأن الفاعل لا يحذف إلا في مواضع مخصوصة ليس هذا منها ولا مضمرًا عائدًا إلى ما بعد لأنه يلزم عود الضمير إلى متأخر لفظًا ورتبة في غير محل جوازه، ولا الجملة نفسها لأنها لا تقع فاعلًا على الصحيح إلا إذا قصد لفظها نحو تعصم لا إله إلا الله الدماء والأموال، وجوز أن يكون الفاعل ضميره تعالى شأنه لسبق ذكره سبحانه في قوله تعالى: {إنَّ رَبَّكَ} الخ وأيد بقراءة زيد {عَرَّفَهَا لَهُمْ} بنون العظمة، قال الخفاجي: والفعل بكم عن المفعول وهو مضمون الجملة لتضمنه معنى العلم فلا تغفل.
{يَمْشُونَ في مساكنهم} أي يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم ويشاهدون آثار هلاكهم، والجملة حال من ضمير {لَهُمْ}، وقيل: من {القرون}، والمعنى أهلكناهم حال غفلتهم، وقيل: مستأنفة بيان لوجه هدايتهم.
وقرأ ابن السميقع {يَمْشُونَ} بالتشديد على أنه تفعيل من المشي للتكثير {إنَّ في ذَلكَ} أي فيما ذكر من اهلاكنا للأمم الخالية العاتية أو في مساكنهم {لاَيَاتٍ} عظيمة في أنفسها كثيرة في عددها {لاَ يَسْمَعُونَ} هذه الآيات سماع تدبر واتعاظ.
{أَوَ لَمْ يَرَوْا} الكلام فيه كالكلام في {أَوَ لَمْ يَهْد} [السجدة: 26] أي أعموا ولم يشاهدوا {أَنَّا نَسُوقُ الماء} بسوق السحاب الحامل له، وقيل: نسوق نفس الماء بالسيول، وقيل: بإجرائه في الأنهار ومن العيون {إلَى الأرض الجرز} أي التي جرز نباتها أي قطع اما لعدم الماء واما لأنه رعى وأزيل كما في الكشاف وفي مجمع البيان الأرض الجرز اليابسة التي ليس فيها نبات لانقطاع الأمطاء عنها من قولهم: سيف جراز أي طاع لا يبقى شيئًا إلا قطعه وناقة جراز إذا كانت تأكل كل شيء فلا تبقى شيئًا إلا قطعته بفيها ورجل جروز أي أكول، قال الراجز:
خب جروز وإذا جاع بكى

وقال الراغب: الجرز منقطع النبات من أصله وأرض مجروزة أكل ما عليها، وفي مثل لا ترضى شانئة إلا بحروزة أي بالاستئصال، والجارز الشديد من السعال تصور منه معنى الجرز وهو القطع بالسيف اه، ويفهم مما قاله أن الجرز يطلق على ما انقطع نباته لكونه ليس من شأنه الإنبات كالسباخ وهو غير مناسب هنا لقوله تعالى: {فَنُخْرجُ به زَرْعًا} والظاهر أن المراد الأرض المتصفة بهذه الصفة أي أرض كانت، وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنها قرى بين اليمن والشام وأخرج هو وابن جرير وابن المنذر وابن أبي شيبة عن ابن عباس أنها أرض باليمن، وإلى عدم التعيين ذهب مجاهد، أخرج عنه جماعة أنه قال: الأرض الجرز هي التي لا تنبت وهي أبين ونحوها من الأرض وقرىء {الجرز} بسكون الراء، وضمير {به} للماء والكلام على ظاهره عند السلف الصالح وقالت الأشاعرة: المراد فنخرج عنده، والزرع في الأصل مصدر وعبر به عن المرزوع والمراد به ما يخرج بالمطر مطلقًا فيشمل الشجر وغيره ولذا قال سبحانه: {تَأْكُلُ منْهُ} أي من ذلك الزرع {أنعامهم} كالتبن والقصيل والورق وبعض الحبوب المخصوصة بها {وَأَنفُسهمْ} كالبقول والحبوب التي يقتاتها الإنسان، وفي البحر يجوز أن يراد بالزرع النبات المعروف وخص بالذكر تشريفًا له ولأنه أعظم ما يقصد من النبات، ويجوز أن يراد به النبات مطلقًا، وقدم الأنعام لأن انتفاعها مقصور على ذلك والإنسان قد يتغذى بغيره ولأن أكلها منه مقدم لأنها تأكله قبل أن يثمر ويخرج سنبله، وقيل ليرتقي من الأدنى إلى الأشرف وهو بنو آدم.
وقرأ أبو حيوة وأبو بكر في رواية {يَأْكُلُ} بالياء التحتية {أَفَلاَ يُبْصرُونَ} أي ألا يبصرون فلا يبصرون ذلك ليستدلوا به على كمال قدرته تعالى وفضله عز وجل، وجعلت الفاصلة هنا {يُبْصرُونَ} لأن ما قبله مرئى وفيما قبله {يَسْمَعُونَ} لأن ما قبله مسموع، وقيل: ترقيا إلى الأعلى في الاتعاظ مبالغة في التذكير ورفع العذر.
وقرأ ابن مسعود {تُبْصرُونَ} بالتاء الفوقية.
{وَيَقُولُونَ} على وجه التكذيب والاستهزاء {متى هذا الفتح} أي الفصل للخصومة بينكم وبيننا، وكأن هذا متعلق بقوله تعالى: {إنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فيمَا كَانُوا فيه يَخْتَلفُونَ} [السجدة: 25] وقيل: أي النصر علينا، ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم إن لنا يومًا يوشك أن نستريح فيه وننتقم فيه فقال المشركون: متى هذا الفتح الخ فنزلت {وَيَقُولُونَ متى هذا الفتح} {إن كُنتُمْ صادقين} أي في أن الله تعالى هو يفصل بين المحقين والمبطلين، وقيل: في أن الله تعالى ينصركم علينا.
{قُلْ} تبكيتا لهم وتحقيقًا للحق {يَوْمَ الفتح لاَ يَنفَعُ الذين كَفَرُوا إيمانهم وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ}.
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: يوم الفتح يوم القيامة، وهو كما في البحر منصوب بلا ينفع، والمراد بالذين فكروا إما أولئك القائلون المستهزئون فالأظهار في مقام الإضمار لتسجيل كفرهم وبيان علة الحكم، وإما ما يعمهم وغيرهم وحينئذ يعلم حكم أولئك المستهزئين بطريق برهاني، والمراد من قوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} استمرار النفي، والظاهر أن الجملة عطف على {لاَّ ينفَعُ} الخ والقيد معتبر فيها، وظاهر سؤالهم بقولهم {متى هذا الفتح} [السجدة: 28] يقتضي الجواب بتعيين اليوم المسؤول عنه إلا أنه لما كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح استعجالًا منهم على وجه التكذيب والاستهزاء أجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم فكأنه قيل لهم: لا تستعجلوا به ولا تستهزؤوا فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم فلم ينفعكم الإيمان واستنظرتم في إدراك العذاب فلم تنظروا، وهذا قريب من الأسلوب الحكيم.
هذا وتفسير {يَوْمَ الفتح} بيوم القيامة ظاهر على القول بأن المراد بالفتح الفصل للخصومة فقد قال سبحانه: {إنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} [السجدة: 25] ولا يكاد يتسنى على القول بأن المراد به النصر على أولئك القائلين إذا كانوا عانين به النصر والغلبة عليهم في الدنيا كما هو ظاهر مما سمعت عن مجاهد، وعليه قيل: المراد بيوم الفتح يوم بدر، وأخرج ذلك الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: يوم فتح مكة، وحكى ذلك عن الحسن ومجاهد، واستشكل كلا القولين بأن قوله تعالى: {يَوْمَ الفتح لاَ يَنفَعُ الذين كَفَرُوا إيمانهم} ظاهر في عدم قبول الإيمان من الكافر يومئذ مع أنه آمن ناس يوم بدر فقيل منهم وكذا يوم فتح مكة.
وأجيب بأن الموصول على كل منهما عبارة عن المقتولين في ذلك اليوم على الكفر، فمعنى لا ينفعهم إيمانهم انهم لا إيمان لهم حتى ينفعهم فهو على حد قوله:
على لا حب لا يهتدي بمناره

سواء أريد بهم قوم مخصوصون استهزؤوا أم لا وسواء عطف قوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} على المقيد أو على المجموع فتأمل.
وتعقب بأن ذلك خلاف الظاهر، وأيضًا كون يوم الفتح يوم بدر بعيد عن كون السورة مكية وكذا كونه يوم فتح مكة، ويبعد هذا أيضًا قلة المقتولين في ذلك اليوم جدا تدبر.
{فَأَعْرضْ عَنْهُمْ} ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم، وعن ابن عباس أن ذلك منسوخ بآية السيف، ولا يخفى أنه يحتمل أن المراد الاعراض عن مناظرتهم لعدم نفعها أو تخصيصه بوقت معين فلا يتعين النسخ.
{وانتظر} النصرة عليهم وهلاكهم {إنَّهُمْ مُّنتَظرُونَ} قال الجمهور: أي الغلبة عليكم كقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا إنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ} [التوبة: 52] وقيل: الأظهر أن يقال: إنهم منتظرون هلاكهم كما في قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ أَن يَأْتيَهُمُ الله في ظُلَلٍ مّنَ الغمام} [البقرة: 210] الآية، ويقرب منه ما قيل: وانتظر عذابنا لهم إنهم منتظرون أي هذا حكمهم وإن كانوا لا يشعرون فإن استعجالهم المذكور وعكوفهم على ما هم عليه من الكفر والمعاطي في حكم انتظارهم العذاب المترتب عليه لا محالة.
وقرأ اليماني {مُنتَظرُونَ} بفتح الظاء اسم مفعول على معنى أنهم أحقاء أن ينتظر هلاكهم أو أن الملائكة عليهم السلام ينتظرونه والمراد أنهم هالكون لا محالة هذا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَوَلَمْ يَهْد لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا منْ قَبْلهمْ منَ الْقُرُون يَمْشُونَ في مَسَاكنهمْ}.
عطف على جملة {ومَن أظلم ممّن ذُكّر بآيات ربه ثم أعرض عنها} [السجدة: 22]، ولما كان ذلك التذكير متصلًا كقوله: {وقالوا أإذا ضَللنا إنّا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون} [السجدة: 10] كان الهدي، أي العلم المستفهم عنه بهذا الاستفهام شاملًا للهدي إلى دليل البعث وإلى دليل العقاب على الإعراض عن التذكير فأفاد قوله: {كم أهلكنا من قبلهم من القرون} معنين: أحدهما: إهلاك أمم كانوا قبلهم فجاء هؤلاء المشركون بعدهم، وذلك تمثيل للبعث وتقريب لإمكانه.
وثانيهما: إهلاك أمم كذبوا رسلهم ففيهم عبرة لهم أن يصيبهم مثل ما أصابهم.
والاستفهام إنكاري، أي هم لم يهتدوا بدلائل النظر والاستدلال التي جاءهم بها القرآن فأعرضوا عنها ولا اتعظوا بمصَارع الأمم الذين كذبوا أنبياءهم وفي مهلكهم آيات تزجر أمثالهم عن السلوك فيما سلكوه.
فضمير {لهم} عائد إلى المجرمين أو إلى من ذُكّر بآيات ربه.
و{يَهْد} من الهداية وهي الدلالة والإرشاد، يقال: هداه إلى كذا.
وضمن فعل {يَهْد} معنى يبيّن، فعدي باللام فأفاد هداية واضحة بينة.
وقد تقدم نظيره في قوله تعالى: {أو لم يَهْد للذين يرثون الأرض} في سورة [الأعراف: 100].
واختير فعل الهداية في هذه الآية لإرادة الدلالة الجامعة للمشاهدة ولسماع أخبار تلك الأمم تمهيدًا لقوله في آخرها {أفلا يسمعون}، ولأن كثرة ذلك المستفادة من {كَم} الخبرية إنما تحصل بترتيب الاستدلال في تواتر الأخبار ولا تحصل دفعة كما تحصل دلالة المشاهدات.
وفاعل {يَهْد} ما دلت عليه {كم} الخبرية من معنى الكثرة.
ولا يجوز عند الجمهور جعل كم فاعل {يَهْد} لأن {كم} الخبرية اسم له الصدارة في الاستعمال إذ أصله استفهام فتوسع فيه.
ويجوز جعل كم فاعلًا عند من لم يشترطوا أن تكون كم الخبرية في صدر الكلام.
وجوز في الكشاف أن يكون الفاعل جملة {كم أهلكنا} على معنى الحكاية لهذا القول، كما يقال: تَعصمُ لا إله إلا الله الدماءَ والأموالَ، أي هذه الكلمة أي النطق بها لتقلد الإسلام.
ويجوز أن يكون الفاعل ضمير الجلالة دالًا عليه المقام، أي ألم يهد الله لهم فإن الله بَين لهم ذلك وذكّرهم بمصَارع المكذبين، وتكون جملة {كم أهلكنا} على هذا استئنافًا، وتقدم {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن} في أول الأنعام (6).
ونيط الاستدلال هنا بالكثرة التي أفادتها كم الخبرية لأن تكرر حدوث القرون وزوالها أقوى دلالة من مشاهدة آثار أمة واحدة.
{ويمشون في مساكنهم} حال من فاعل {أو لم يروا} [السجدة: 27] والمعنى: أنهم يمرون على المواضع التي فيها بقايا مساكنهم مثل حجر ثمود وديار مدين فتعضد مشاهدةُ مساكنهم الأخبار الواردة عن استئصالهم وهي دلائل إمكان البعث كما قال تعالى: {وما نحن بمَسْبُوقين على أن نبدل أمثالكم ونُنْشئَكم فيما لا تعلمون} [الواقعة: 60، 61]، ودلائل ما يحيق بالمكذبين للرسل؛ وفي كل أمة وموطن دلائل كثيرة متماثلة أو متخالفة.
ولما كان الذي يؤثر من أخبار تلك الأمم وتقلبات أحوالها وزوال قوتها ورفاهيتها أشدّ دلالة وموعظة للمشركين فرع عليه {أفلا يسمعون} استفهامًا تقريريًا مشوبًا بتوبيخ لأن اجتلاب المضارع وهو {يسمعون} مؤذن بأن استماع أخبار تلك الأمم متكرر متجدد فيكون التوبيخ على الإقرار المستفهَم عنه أوقعَ بخلاف ما بعده من قوله: {أفلا يبصرون} [السجدة: 27].
وقد شاع توجيه الاستفهام التقريري إلى المنفي، وتقدم عند قوله تعالى: {ألم يأتكم رسل منكم} في سورة الأنعام (130)، وقوله: {ألم يروا أنه لا يكلمهم} في سورة الأعراف (148).
{أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون (27)}.
عطف على {أو لم يهد لهم}.
ونيط الاستدلال هنا بالرؤية لأن إحياء الأرض بعد موتها ثم إخراج النبت منها دلالة مشاهدة.
واختير المضارع في قوله: {نسوق} لاستحضار الصورة العجيبة الدالة على القدرة الباهرة.
والسوق: إزجاء الماشي من ورائه.
والماء: ماء المزن وسوقه إلى الأرض هو سوق السحاب الحاملة إياه بالرياح التي تنقل السحاب من جو إلى جو؛ فشبهت هيئة الرياح والسحاب بهيئة السائق للدابة.
والتعريف في {الأرض} تعريف الجنس.
والجرز: اسم للأرض التي انقطع نبتها وهو مشتق من الجرز وهو: انقطاع النبت والحشيش إما بسبب يبس الأرض أو بالرعي والجرز: القطع.
وسمي السيف القاطع جرازا قال الراجز يصف أسنان ناقة:
تنحي على الشوك جرازا مقضبا ** والهرم تذريه إذدراء عجبا

فالأرض الجرز: التي انقطع نبتها.
ولا يقال للأرض التي لا تنبت كالسباخ جرز.
والزرع: ما نبت بسبب بذر حبوبه في الأرض كالشعير والبر والفصفصة وأكل الأنعام غالبه من الكلأ لا من الزرع فذكر الزرع بلفظه ثم ذكر أكل الأنعام يدل على تقدير: وكلأ.
ففي الكلام اكتفاء.
والتقدير: ونخرج به زرعا وكلأ تأكل منه أنعامهم وأنفسهم.
والمقصود: الاستدلال على البعث وتقريبه وإمكانه بإخراج النبت من الأرض بعد أن زال؛ فوجه الأول.
وأدمج في هذا الاستدلال امتنان بقوله: {تأكل منه أنعامهم وأنفسهم} ثم فرع عليه استفهام تقريري بجملة {أفلا يبصرون}.
وتقدم بيان مثله آنفا في قوله: {أفلا يسمعون}.
ونيط الحكم بالإبصار هنا دلالة إحياء الأرض بعد موتها دلالة مشاهدة.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إنْ كُنْتُمْ صَادقينَ (28)}.
يجوز أن يكون عطفًا على جملة {ثم أعرض عنها} [السجدة: 22]، أي: أعرضوا عن سماع الآيات والتدبر فيها وتجاوزوا ذلك إلى التكذيب والتهكم بها.